الحياء
اننا اليوم في أشد الاحتياج الى هذا الخلق..
انه خلق من أهم الأخلاق.. خلق مؤثر في الفرد والأسرة والمجتمع، خلق أصبح غريبا في هذه الأيام.. وحينما ضاع منا فسد المجتمع.. خلق كلما تمسكنا به.. زاد المجتمع طهرا ونقاء.
وكلما بعدنا عنه.. زادت المشاكل في المجتمع.
انه خلق الحياء.. الملاحق للايمان، فيزيد الايمان بزيادته، وينقص بنقصانه.
ما معنى الحياء..؟
نسمع أحيانا أن فلانا حييّ أو يقال: ان فلانا عنده حياء، فماذا نعني بالحياء؟.. ان الحياء معناه: انقباض النفس؛ أي أن النفس لا تستطيع فعل الرذيلة أو الشيء القبيح، ولا تطيقه، فالانسان الحييّ لا يستطيع أن يرى نفسه مهانة أمام الله، أو أمام الناس، أو أمام نفسه.
ان الانسان الحيي نفسه كريمة، ان الانسان الحيي يحترم نفسه أمام الله، وأمام الناس، وأمام نفسه.
وكأنه عاطفة حية..!!
من هذا التعريف السابق تجد أن الحياء وكأنه عاطفة حية داخل النفس.. عاطفة ترتفع بها النفس عن الدنايا وعن الصغائر.
عاطفة تجعل بعض الكلمات من قبيل المستحيلات مثل:
المعصية، الخطيئة، الغش، الخديعة، السرقة، الزنى..، وتجد لسان حال العاطفة: أنا أعلى من ذلك.. أنا أرقى من ذلك.
الحياء من الحياة:
ان أصل كلمة حياء من الحياة، ولذلك نقول: استحى الرجل، أيّ انه من قوة نبض الحياة داخله استحى أن يقع في الرذيلة من كثرة ما هو حيي.
فلأن قلبه حيّ لا يستطيع أن يفعل الدنيايا والرذائل.
وماذا تنتظر اذا مات القلب..!؟
ان العلاقة بين حياء القلب خاصة، والحياء عامة لعلاقة وثيقة، فكلما كان القلب حييا كلما ازددت حياء.. واذا كات القلب...!! انتهى الأمر، فلن يكون عندك حياء، فبموت قلبه ماتت العاطفة! فلن يستقبح قبيحا ولن يستدني دنيّة.
وهنا تراه قد تجرّ على معصية الله، ولم تعد حياته حياة..
وصدق من قال:" أكمل الناس حياة أكملهم حياء".
هل هناك فرق بين الخجل والحياء..؟
كثير منا يظنون أن الحياء معناه " الكسوف" والخجل..!
ولكن هناك فرق كبير بين الخجل والحياء.
فالخجل يعرّفه علماء النفس بأنه: ارتباك نتيجة موقف، كسؤال المعلم للطالب.. فتجد الطالب يخجل ولا يستطيع عرض رأيه بوضوح، فالخجل ناتج عن جبن، عن خوف.. فالشخصية الخجولة شخصية ضعيفة.. شخصية لا تعرف قيمتها، ولكن الحياء عكس ذلك تماما.. فان الحياء ناتج عن شخصية قوية، شخصية تستشعر قيمتها فهي كريمة.. تستعلي أن تفعل القبائح.
سبحان الله!! كنا نظن أن الحياء والخجل كلمتان مترادفتان، وقد تبيّن لنا أنهما متضادتان.
فهم خاطئ..!!
اننا الآن بعد ما عرفنا الفرق الكبير بين الخجل والحياء، نستطيع أن نفسّر كثيرا من التصرفات الخاطئة مثل:
ترى حقه مهضوما ولا يطالب به، وحينما تسأله لماذا تسكت عن حقك يقول: انا خجول.
حقا.. انه خجل وليس حياء، فانه ان كان حييا لطالب بحقه.
أي دلالة هذه..!!
واليك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يتحدث فيها عن خلق الحياء، وستجد نفسك تخرج بهذه النتيجة: ان الحياء أهم وأعظم الأخلاق.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الايمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الايمان". رواه البخاري 9 ومسلم 151 وأبو داود 4676.
أي ان الايمان يتكون من بضع وستين شعبة من تجمعت فيه صار مؤمنا.
ونلاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الشعب ولكنه ذكر الحياء فقط.
سبحان الله.. انها لدلالة صريحة على أن الحياء سيأخذ بيدك للبضع والستين شعبة.. فان كنت حييا انضبطت معك بقية الشعب، وفي رواية أخرى يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الايمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا اله الا الله، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الايمان".
سبحان الله، ان الحياء جزء أساسي من مكونات الايمان.
هيا.. لنراجع أنفسنا.. فأين نحن من خلق الحياء؟
الأخلاق مردّها الى الحياء
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الحياء كله خير" رواه مسلم 156 وابو داود 4796.
ويقول أيضا:" الحياء لا يأتي الا بخير" البخاري 5766 ومسلم 155.
ويقول صلى الله عليه وسلم:" الحياء من الايمان، والايمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار". رواه الترمذي 2009.
البذاء أي: سوء الأدب، والجفاء أي: غلظة القلب.
ويقول صلى الله عليه وسلم:" الحياء والايمان قرناء جميعا اذا رفع أحدهما رفع الآخر". رواه الهندي في كنز العمال 5756 والتبريزي في مشكاة المصابيح 5093.
سبحان الله.. ان الأحاديث تدور حول: لمن الخيرية..؟ لمن الايمان..؟ لمن الأخلاق..؟ انها جكيعا لمن كان عنده حياء.
انك لن تستطيع أن تبرّ والديك، أو تتوب الى الله، أو تحج، أو تعتمر، أو تصدق وتترك الكذب، أ, تحرص على طاعة الله أو...
الا اذا كنت حييا.. تستحي من الله لذنوبك الكثيرة، وأنت تستحي أن تلقاه هكذا.. فتبر والديك وتقبل على الله وتصدّق وتستقيم..
حقا ان الأخلاق مردها الى الحياء.