الرحمة
مقدمة في غاية الأهمية..!!
خلق نعرفه جميعا، ونعرف معناه، ولكنه أصبح غير موجود بيننا، لقد غاب هذا الخلق عن البشرية وصارت الأرض مفتقدة له، العالم كله في أشد الاحتياج لهذا الخلق، فبغيابه انتشرت الجريمة، وصارت القنابل الذرية تدوي هنا وهناك، الملايين يقتلون في لحظة.
انه خلق الرحمة الذي أصبح وجوده نادرا في دنيا البشر، ألست معي في ذلك..!؟
أما تحب أن ترحم يوم القيامة..!؟
ولذلك فخلق الرحمة ليس المطلوب معرفته فقط، بل اجادته وتطبيقه في الحياة؛ لأننا لو أوجدناه وطبّقناه كما ينبغي سنضمن الرحمة يوم القيامة بمشيئة الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" انما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري 7448 ومسلم 2132 والامام أحمد 5\204.
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبكي عند قراءتنا للقرآن الكريم، فان لم نستطع البكاء فلنتباك..!! كذلك الرحمة: المطلوب أن نفتعلها افتعالا، فالراحمون يرحمهم الله.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألا تحب أن ترحم يوم القيامة..!!؟
خلق النجاة
ان الترغيب في الاتصاف بخلق الرحمة لم يعد هدفا، بل ان الهدف الأساسي أن تستشعر مدى أهمية هذا الخلق.. انه خلق النجاة يوم القيامة، ولا بد أن تعرف الآن ان كنت سترحم يوم القيامة أم لا!
وقبل هذا السؤال سل نفسكك هل ترحم الناس؟
انها علاقة قوية بين معاملتك للناس في الدنيا، ورحمتك يوم القيامة، فمن عامل الناس بالرحمة في الدنيا، فماذا ينتظر يوم القيامة؟
والان هل يا ترى عرفت من المستحق لرحمة الله يوم القيامة!؟
على بيّنة
اننا في هذا الخلق سنعرض نماذج الرحمة التي من المطلوب تنفيذها واجادتها، وحتى تكونوا على بيّنة.. فان الأمر يسير كالتالي:
كيف ترحم الكبار.. كيف ترحم الوالدين.. النساء..الأطفال.. الأقارب..الخدم.. الحيوان..ولكنني وجدت أنني لو بدأت بهذه النماذج العملية لن تكون متيقظا معي بدرجة كاملة.. فقلت: ما المبدأ الجميل الذي أبدأ به..؟
فوجدت أن أفضل ما نبدأ به الموضوع هو:
رحمة الله بنا.. وأريدك قبل القراءة أن تستشعر أن الملائكة تحفك الآن.. وان رحمة الله تغشاك.. وأن السكينة تتنزل عليك.. هيا استقبل رحمات الله.
" كتب ربكم على نفسه الرحمة"
انظر الى رحمة الله تعالى بنا، حتى نتصف بصفات الله، الرحمن الرحيم، يقول تعالى:{ كتب ربكم على نفسه الرحمة} الأنعام 54.
فكّر في هذه الآية!! وانظر الى هذه الكلمة {كتب}.
وسبحان الله! ان هذه الآية موجودة مرتين في سورة الأنعام.
أما تشعر بالاطمئنان بعد هذه الآية..!!؟ لا تخف فقد {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، فالأصل
في صفات الله الرحمة، أما الغضب فنتيجة أعمالك وليس صفة لازمة، فصفته اللازمة والدائمة هي الرحمة.
"ورحمتي وسعت كل شيء"
يقول الله تبارك وتعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم:{ فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة} الأنعام 147.
انك حين تقرأ هذه الآية يتبادر في ذهنك سؤال ألا وهو:
كم تبلغ هذه الرحمة الوسعة!؟ فتجيب عليك هذه الأية:{ ورحمتي وسعت كل شيء} الأعراف 156.
تفكّر في هذه..{كل شيء} وتخيّل مداها.
أراك قد فكرت في كل شيء... فاحمد الله على رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء.
"ان رحمتي سبقت غضبي"
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: ان رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري 3194 ومسلم 6903 والامام احمد 2\433. وفي رواية أخرى:" ان رحمتي سبقت غضبي" رواه السيوطي في الدر المنثور 3\6.
يا سبحان الله تخيّل الكون يقوم على مبدأ الرحمة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان صحت الرواية):" لما خلق الله آدم.. ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله فحمد الله بأذنه، فقال له ربه: رحمك الله يا آدم" رواه الترمذي 3368 والحاكم 222، فكان أول كلام الله لآدم: رحمك ربك.
"الا أن يتغمدني الله برحمته"
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يدخله عمله الجنة"، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:" ولا أنا الا أن يتغمّدني ربي برحمته" رواه مسلم 7044 والامام أحمد 3\52.
أسمعك تقول: اللهم تغمّدنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا الله.. قام الكون على الرحمة.. وخلق آدم ومعه الرحمة.. ولن يدخل أحد الجنة الا برحمة الله.. انظر قيمة الرحمة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة جزء، أمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل الأرض رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق، حتى الدابة ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه. رواه البخاري 6000.
رحمة واحدة في الدنيا!! كل هذا، ورحمة واحدة!!
كل الخلائق.. البشر، الحيوانات، الطيور، الحشرات..
كل هؤلاء يتراحموا برحمة واحدة!!
وادّخر لنا الله 99 رحمة يوم القيامة.
أما تشعر معي بهذه السكينة التي عمّتنا الآن..!؟
رحمات لا بدّ لها من تفكّر..!!
يقول تعالى:{ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} القصص 73. فمن رحمة الله بنا أن جعل الليل والنهار.
فتخيّل معي.. لو كانت الدنيا ليلا فقط أو نهارا فقط، هل تعلم حينئذ كم من الأمراض العصبية والنفسية التي كنا سنصاب بها..!
{قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بضياء} القصص 71.
سرمدا أي: دائما..!
ويقول تعالى:{ قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه} القصص 72. انها رحمة الله.
وانظر الى عظم رحمة الله في خلق الليل والنهار.
ان النهار لا يأتي فجأة، وكذلك الليل: بل يأتيان تدريجيا يقول الله:{ والليل اذا عسعس*والصبح اذا تنفس} التكوير 17-18.
عسعس: أي بتدرّج، وتنفس أي: نفسا نفسا.
سبحان الله.. انها رحمات لا نستشعرها ولا تخطر على بالنا، بالرغم من أننا نراها كل يوم.
يا لها من رحمات تحتاج منا أن نتفكر فيها..!
" فانظر الى آثار رحمة الله.."
يقول تعالى:{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته} الشورى 28. فبدون الماء تموت الأرض، واستشعر معي:{ وينشر رحمته} وكأن المطر يوزع رحمات الله على الأرض، تحمله الرياح مبشرات بين يدي رحمته..
واليك هذه.. يقول تعالى:{ فانظر الى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها} الروم 50.
يا الله.. تخيّل لو فقدنا الرحمة.. رحمة الله في انزاله المطر. يقول تعالى:{ ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجا} الواقعة69-70.
المزن: هي السحب، واجاج: أي مملح. تخيّل.. لو نزل الماء مالحا.. ستموت الأرض.. وسل نفسك كم يوما ستحياه بدون ماء..!؟ انها رحمة الله بنا.
رحمة أودعها الله في القلوب..!!
ومن رحمات الله رحمة العلاقات الاجتماعية، وهي رحمة أودعها الله في القلوب، فقد أودع الله سبحامه وتعالى في قلوب الآباء والأمهات حب أولادهم.
فكل أب وكل أم، انسانا كان أو حيوانا، بداخله رحمة أودعها الله في قلبه على وليده.
والله بدون هذه الرحمات لفسدت الأرض، وكذلك الرحمة التي أودعها الله في قلوب العائلات، العم والخال والعمة والخالة و...
بل انظر الى هذه الرحمة.. انها الرحمة التي أودعها الله في قلبين...
وقال عنهما:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم 21.
يا الله..!! أول ما يبنى هذا البيت الجميل يبنى على المودة والرحمة، ولكن بمعصيتهم لله وبعدهم عنه تنزع الرحمة تدريجيا...
" ومن رحمته أنه لا يأخذنا بذنوبنا"
من منا لم يذنب في حياته أبدا..!؟ من منا لم ينب في حياته الا 100 ذنب..!؟
من منا لم يذنب في حياته الا 1000..!؟ من منا لم يذنب في حياته الا...!؟
ومن رحمة الله بنا أنه لا يأخذنا بذنوبنا.. ان ذنوبنا كثيرة كثيرة..
ومع ذلك فانه يمهلنا.. اقرأ هذه الآية وانظر الى حالك، وتذكر سنوات عمرك الماضية، يقول تعالى:{ وربك الغفور ذو الرحمة، لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} الكهف 58. أظنك الآن لا يسعك الا أن تقول: الحمد لله.
يا سبحان الله.. ان النذب الذي اريكبته أمس، أو الذي ارتكبته الأسبوع الماضي لو علمه أمك وأبوك ما غفروه لك، ولكن الله غفور رحيم.
يقول تعالى:{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم} النور 14.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منهم من أحد أبدا} النور 21.
ويقول:{ وان نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون* الا رحمة منّا ومتاعا الى حين} يس 43-44.
ان الله لو أخذنا بذنوبنا ما ترك على الأرض أحد، ولكن رحمة بنا يمهلنا.. فنتوب ويغفر لنا.. أما تحتاج هذه الرحمة لشكر؟
{لئن شكرتم لأزيدنّكم} ابراهيم 7.
ومن رحمته سترك بعد المعصية
تخيّل لو فضحنا الله بعد المعصية.. فبعد معصيتك لله تجد على باب بيتك شرحا لما فعلت من معصية، فلان عصى وفعل كذا وكذا، ولكن من رحمة الله أنه يسترنا بعد المعصية، وتخيّل لو كان للذنوب رائحة..!! فكلما ارتكبت معصية خرجت لك رائحة..
انه من نتن الرائحة لن يطيق أحد منا الآخر..
ولكن من رحمته بنا أنه يسترنا.
سرق أحد الرجال فأخذوه الى سيدنا عمر بن الخطاب، فقال الرجل لعمر: أقسم بالله هذه أول مرة، فقال عمر: كذبت ان الله لا يفضح عباده من أول مرة..
حقا انه قانون الرحمة يعلمنا اياه سيدنا عمر بن الخطاب.
" ان الله لا يفضح عباده من أول مرة".
ومن رحمته تيسير التوبة
يقول تعالى:{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} البقرة 37. ان سيدنا آدم حينما عصى الله، وأكل من الشجرة ندم، ولكنه لم يكن يعرف كيف يتوب.
{ فتلقى آدم من ربه كلمات} ان قالها يتوب الله عليه ويغفر له.
فما هي هذه الكلمات..؟ هي:{ ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونّن من الخاسرين} الأعراف23.
حقا ان من رحمة الله بنا أنه ييسّر لنا التوبة كما رأينا كيف يسّرها لأدم عليه السلام..
يا سبحان الله..!! ليس العجيب أن عبدا يتذلل الى سيده ويتودد اليه، ولكن العجب كل العجب من سيد يتودد الى عبده، فالله يتودد الينا برحمته.
أراك تشعر بأن هذه الآية فيها سرّ عجيب.. هيا اجعلها دعاءك الدائم لا يفتر منها لسانك، ولتجعلها بداية عصر جديد..
{ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
ومن رحمته ارسال الرسل وانزال الكتب وسنّ الشرائع
يقول الله تعالى:{ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام 155.
يا الله!! لو نفذتم ما في الكتاب فسوف ترحمون.. نعم، من لاحمة الله بنا هذا القرآن وهذه الشريعة الاسلامية.. واياك أن تقول: بأن قطع يد السارق، والجلد وهذه الحدود ظلم.. لا والله انها رحمة بهذا المجتمع حتى يصان..
احفظ مني هذه:" الشريعة الاسلامية مبنية كلها على الرحمة".
والدليل على ذلك.. انظر الآن:
كم من الجرائم.. والشذوذ.. والاغتصاب..و..
والله ان العالم يحتاج الى الشريعة الاسلامية