العوض بسلامتكم
ترى مالذي سيحدث إذا استيقظ الفلسطينيون ومعهم الأمتين العربية والإسلامية ذات صباح ليجدوا أن سلطات الاحتلال نفذت ماروجته من تهديدات مختلفة ودمرت المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة؟
قد يبدو هذا الأمر للبعض ضرباً من ضروب الخيال، فإسرائيل محاطة بأكثر من مليار مسلم وعربي وهي لن تقامر بمستقبله! ا ومصيره ا لتنفيذ عمل من هذا القبيل!!، كما أن المجتمع الدولي في ظل النظام العالمي الجديد، وتوجه الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، خاصة بعد احتلالها للعراق لا يسمح بمقامرة من هذا القبيل غير محسوبة الأبعاد والنتائج والتأثيرات، وقد يرى البعض أن حكام تل أبيب أجبن من خوض هذه المغامرة، خاصة وأن تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون للحرم القدسي دفع بالمنطقة إلى دوامة من سفك الدماء لم تنته بعد رغم مرور سبع سنوات على ذلك الفعل الشنيع، وقبل ذلك هبة النفق، وغير ذلك الكثير.
يهيأ لي أن حكومة تل أبيب باتت أقرب الآن من أي يوم مضى إلى تنفيذ تهديدها بتدمير الحرم القدسي الشريف، قد يكون ذلك في أيام قليلة أو أسابيع معدودة، أو بضعة أشهر، أو سنوات قليلة، فما تقوم به سلطات الاحتلال لتهويد المدينة المقدسة يؤكد صحة ما أزعمه، فما عزل القدس عن محيطها العربي، وتهجير سكانها، وتدمير أحيائها إلا الفصل قبل الأخير في مسلسل التهويد، الذي سينتهي بالطبع بتدمير الحرم وإزالته نهائياً عن الوجود.
وأياً كانت الطريقة التي ستستخدمها سلطات الاحتلال لتنفيذ هذا الفعل، فإن الفاعل سواء كان طياراً حربياً انتحارياً، أو استخدم طائرة موجهة، أو قام بنسف المسجد، وغير ذلك من التصورات، لن يكون إلا متطرفاً مجنوناً أو متهوراً بحسب وزير الخارجية الإسرائيلي أو من ينوب عنه حينئذ، وستقوم الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع، لكن ليس قبل الإعلان عن منطقة الحرم الشريف منطقة عسكرية مغلقة يحظر دخولها لأسباب أمنية.
وسيقف أولمرت ليعلن للعالم أجمع أسف حكومته الشديد على هذا الفعل الإجرامي، مؤكداً تمسك حكومته بعملية السلام، وموافقتها على إقامة حكم ذاتي موسع، أو دولة مستقلة إذا رغب الفلسطينيون في تسميتها مع حرس شرف بالنياشين والفرق الموسيقية.
أما زعماء العالم فلن يتورعوا عن التنديد بشدة في هذا العمل الطائش المجرم، من الرئيس الأمريكي إلى الروسي والصيني والتشادي وبالطبع في المقدمة أصحاب الفخامة والسمو القادة والزعماء العرب.
وسيجدها الرئيس الأمريكي فرصة لدعوة المسلمين والعرب، خاصة الفلسطينيين إلى ضبط النفس، لأن فلتان الأعصاب سيعطي المتطرفين في الجانبين الشعور بالنصر، والفرصة لتقويض العملية السلمية في المنطقة، وبالطبع لن ينسى أن يؤكد للقيادة الفلسطينية أن الدولة الفلسطينية ستقام قبل نهاية العام، ويجب عليهم أن لا يضيعوا ا! لفرصة مج دداً وينساقوا وراء المتطرفين. ولن يفوت رئيس الوزراء البريطاني التأكيد على قدرة الحكومة الإسرائيلية على معالجة الموقف شريطة أن تجد تعاوناً من قبل الدول العربية والإسلامية، وبالطبع القيادة الفلسطينية المنتخبة، لتقديم الجناة إلى العدالة.
أما في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ستنطلق القذائف من مختلف الأنواع والأحجام من الياسين الى البتار إلى ناصر 3 إلى السرايا والهاون وغيرها، لتدك مضاجع الصهاينة في عسقلان واسديروت والنقب والمستعمرات في غزة، وبالطبع ستوقف السي إن إن والـ بي سي سي وغيرهما بثهما المعتاد لتصور مظاهر الهلع والخوف التي حلت بأطفال المستعمرات اليهودية.
أما في البلدان العربية فستخرج المسيرات الحاشدة المنددة بهذا العمل الإجرامي الجبان، وستلتئم قمة عربية طارئة لمناقشة هذا المصاب الجلل، وستوجه الدعوات لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي تمتنع فيه الولايات المتحدة عن اتخاذ حقها الشرعي في استخدام الفيتو، كما ستندد الجمعية العامة والمؤسسات المتفرعة عنها بهذا العمل الفردي غير المسئول، وينتهي العرس بوعود وانسحابات عاجلة مما تبقى من مدن الضفة الغربية وفتح الحواجز العسكرية.
لا أدري إن كان ذلك سيتحقق على أرض الواقع أم أنها مجرد هواجس تسكنني في ظل الهجمة المحمومة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدينة المقدسة في ظل غياب محلي وعربي وإسلامي ودولي عما يحدث فعلياً على أرض الواقع. ولعل قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأخير القاضي بمنع الفلسطينيين المقيمين في القدس المحتلة من التوجه إلى أراضيهم وممتلكاتهم في القدس بزعم أنها أملاك غائبين،
خطوة في هذا الإطار، وفي إطار مخططها الرامي للتهجير القسري لسكان القدس الأصليين، بغية تهويدها وتغيير الأوضاع الديموغرافية فيها.
والحقيقة المرة هي أن الجاني الحقيقي ليس ذاك الشخص الذي ارتكب الجريمة بل الحكومة الإسرائيلية برمتها، والمجنون هو من يصدق ولو للحظة واحدة أن من ارتكب هذا الفعل الشنيع مجنون أو متعصب، فالساسة الإسرائيليون ورجال الدين فيهم لن يهدأ لهم بال، ولن يسكن لهم جفن إلا بهدم الحرم، وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
قرأت فيما قرأت أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر فكرت في نقل المسجد الأقصى الى مكان آخر، على غرار ما حصل لمعابد أبي سمبل اثر بناء السد العالي وإقامة بحيرة نا! صر، غير أن هذه الفكرة سرعان ما استبعدت بعد أن أيقن قادة دولة الاحتلال استحالة قبول المسلمين بذلك، فلم يبق إلا الهدم والتدمير له.
لقد كانت القدس طيلة قرون طويلة مثالاً للحب والتسامح في ظل السيادة العربية الإسلامية، فالجميع فيها يمارس شعائره الدينية بحرية متناهية لا مثيل لها، إلا أنه منذ احتلالها تغير الحال بالحال، فالمدينة المقدسة لم تتعرض في تاريخها الى ما تتعرض له اليوم على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الذي غير معالمها أو يكاد، والرمز المتبقي الدال على عروبتها واسلاميتها بات في حكم المدمر.
ولا يتورع حكام تل أبيب عن التأكيد مرارا وتكراراً أن الوضع الراهن قابل للمساومة باستثناء القدس، مشيرة الى إصرارها على البقاء في القدس بكاملها.
ترى مالذي سيفعله العرب والمسلمين إذا ما هدمت إسرائيل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، سؤال يتبادر الى ذهني كثير في هذه الأيام، كما يتبادر الى ذهني استعداد بعض الدول المانحة في حينه لإعادة بناء المسجد في القدس الجديدة في أبو ديس أو غيرها، فالأرض كلها مباركة، والمهم أن تظل مسيرة السلام سائرة الى الأمام، والعوض بسلامتكم