كلنا يتمنى السعادة المطلقة ودوامها، ولكن إذا بحثنا عن الأمر الذي يجعلنا سعداء وجدناه مجرد أمر قد يكون تافها بل وأكثر لا أهمية له! كيف ذلك؟
عندما يكون حلم أحدنا مستحيلا للناظر القريب وممكنا للناظر البعيد، ما إن يحققه يجد أن هذا التعب الكبير لتحقيق هذا الحلم ما هو إلا دربا انتهى ووصل إلى مشواره.. ولكن..
هنالك أمر إذا ما حلمنا بالوصول إليه تبقى التحديات أمامه كبيرة وطعم التحدي والمثابرة يبقى حلوا ولا يمكن أن يصل إلى مرحلة الفتور التي قد يصل إليها في الأحلام العادية...
والحلم اللذيذ طعمه الصعب تحقيقه هو: محبة الله وكسب مرضاته والوصول إلى جنانه!
قد يظن قارئا أن هذا كلام تنظيري لا أكثر نسمعه من الشيوخ أكثر من مرة ونراه عاديا لا غرابة فيه.. ولكن... إذا ما حاول الإنسان جهده أن يصل إلى هذه القمة من السعادة فهو لن يشعر بفتور أبدا في كل مرة يحاول أكثر إرضاء الله والطمع بالمزيد للوصول إلى الفردوس الأعلى لا الجنة فحسب، فالذي يغامر لكسب الرضا عليه ان يحلم ويطمع في حلمه لينال الأسمى والأعلى..
كيف يمكن لإنسان عادي لم يقرأ يوما سيرة الرسول أو القرآن حتى إنسان فلنقل جاهل بالقراءة أو كما يصفونه : أمّيّ كيف يمكنه الوصول لهذا المكسب وينال الفرحة الأبدية والسعادة المطلقة؟
يكفي أن تكون إنسانا يرى الله في كل أفعاله ومخلوقاته ويحاول أن يتعامل مع هذه الحقيقة فيسبر أغوار النفس ليصل إلى عبادة بارئ هذه النفس..
ما أجمله من إحساس أن تكون منتظرا بشغف الوصول إلى ما تطمح اليه يوما وكما يقال عند العوام : " اللقمة الموعود فيها أطيب من التي تأكلها" وهذا صحيح.. السعادة المادية الحسية لا تدوم، تتلاشى حين الوصول إليها، أما السعادة الروحية المنشودة تبقى على الدوام تدغدغ القلب وتفرحه بهذا الأمل الجميل وهذا الصبر الأجمل.
إذن، كيف نرضى أن تكون السعادة المادية هي حلمنا طالما أننا نعرف أنها ستنتهي عند الوصول إليها؟ لماذا لا نطمح للسعادة الأبدية ؟ وفي كل عمل نفعله نقدر أن هنا كسبنا أجرا وثوابا نكافأ عليه في حين لاحق، وأن هذا الفعل درجة في سلم الصعود والارتقاء، الصعود لما فوق الماديات ومحاولة الوصول للحلم الموعود والسعادة الدائمة والديمومة من رضا الله ومرضاته..
هي دعوة لكل ذي لب لا يخلو من التساؤل في تجليات خلق الله.. دعوة بتجديد الهمم والإيمان لينتصر على ذاته المتخاذلة بالطمع المادي لينتصر بنفسه على نفسه ويحاول تحقيق الحلم المطلق بطاعة لا توصف إلا بالسعادة!